للقراءة ك PDF: صيادو غزة – لا درع يحميهم
سعد زيادة
يعتبر العاملون في مهنة الصيد البحري في قطاع غزة من أكثر الفئات والشرائح ضعفاً وهشاشة من الناحية الاقتصادية فدخلهم ورزقهم يعتمد كلياً على الصيد فيما تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 2000 بتضييق وتقليص مساحات الصيد واغلاق البحر في وجههم ولا سيما في مواسم الصيد الرئيسية وخاصة مواسم صيد السردين التي يعتمد عليها الصيادون بشكل كبير، كما وتمنع وصولهم للمساحات التي نصت عليها اتفاقية أوسلو على أقل تقدير وهي 20 ميل بحري، وتمنع دخول أدوات الصيد ومدخلات صيانة وتصنيع القوارب (فيما يعرف بالمواد ثنائية الاستخدام dual use) وكذلك المحركات الخاصة بالقوارب وبالتالي تأثرت قدرة الصيادين على ممارسة الصيد وانخفضت كميات الأسماك بشكل واضح الامر الذي أدى الى تدهور الوضع الاقتصادي لغالبية الصيادين فأصبح معدل الدخل الشهري للصياد دون ال100 دولار بعد أن كان يتجاوز ال400 دولار، حيث تشير التقديرات أن ما يزيد عن 90% من عوائل الصيادين يعيشون تحت خط الفقر، وأنهم الأكثر عرضة للانتهاكات من قبل الاحتلال الإسرائيلي على مدار ال 14 عاماً الأخيرة والتي عانى ولا يزال خلالها الصيادون من ويلات الحصار والاغلاق المستمر للبحر وللملاحقات اليومية التي غالباً ما تكون نهايتها الخسارة الجسدية أو الخسارة المادية او كلاهما بالإضافة للآثار النفسية السلبية الناجمة عما يتعرضون له من إهانة لكرامتهم الإنسانية، فمنذ فرض الحصار سنة 2006 ولغاية نهاية نوفمبر 2020 تشير الإحصائيات إنه كنتيجة مباشرة لاعتداءات الاحتلال الإسرائيلي سقط 10 شهداء من الصيادين، فيما أصيب 183 واعتقل 650 صياد آخرين، كما تم تدمير 198 قارب صيد ومصادرة 167 آخرين، كما كانت خسائر الصيادين فادحة خلال الحروب الثلاثة وكان آخرها عام 2014 والتي تم خلالها قصف غرف الصيادين بما فيها من أملاك وأدوات وكذلك تدمير عدد كبير من قوارب الصيد.
وتشير الاحصائيات الى وجود قرابة ال 3700 صياداً في قطاع غزة وحوالي 1800 قارب صيد من مختلف الأحجام، يكابدون ويصارعون يوميا من اجل الحصول على قوت أسرهم في مساحات بحرية ضيقة تسمح بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بالغالب تتراوح ما بين 3 و6 أميال بحرية، وهي ذات المساحات التي يتعرضون بها للويلات والآهات تصل للقتل والاصابات والاعتقال وتدمير قواربهم وأدوات صيدهم. لقد تركت هذه الاعتداءات آثارا واضحة على الصيادين تجاوزت الجوانب الاقتصادية فأثرت عليهم اجتماعياً وصحياً ونفسياً، في ظل غياب حاضنة قانونية منظمة لهم تتكفل بالدفاع عنهم ومساندتهم والتخفيف عنهم، وتحفيزهم على النضال لتغيير واقعهم، وبث روح الامل فيهم نحو غدٍ أفضل، من خلال الضغط على صناع القرار وراسمي السياسات لضمان توفير وتطبيق البرامج والخطط للحد من تدهور واقعهم وصولا لتامين ظروف إنسانية تليق بهم.
يعتبر العمل النقابي بشكل عام أحد الركائز التي يعول عليها أصحاب المهنة من اجل الخلاص من الظلم أياً كان مصدره، ويستندون اليه من اجل تصويب أوضاعهم وتحسين ظروفهم للوصول الى حالة من العيش الكريم استناداً على حصولهم على الحقوق الأساسية والرئيسية الخاصة بهم.
وفي قطاع غزة توجد نقابة واحدة للصيادين هي النقابة العامة للعاملين بالصيد البحري والتي تأسست في العام 1998 وشهدت اجراء 4 انتخابات لمجلس ادارتها خلال 22 عام ولم يسبق لها اصدار أو عرض تقريراً ماليا أو إداريا على الجمعية العمومية سوى مرة واحدة حيث تم تلاوة التقرير دون توزيعه. وقد تعاقب على رئاسة النقابة خلال هذه المدة 3 رؤساء -يطلق صفة نقيب الصيادين على الرئيس- ، وآخرهم لا زال يحمل هذه الصفة منذ ما يزيد عن 18 عاماً ، ولم يسبق لهذه النقابة ان خاضت نضالا مطلبيا حقيقيا يرتبط بحقوق الصيادين وبتحسين ظروفهم او حتى حماية قطاع الصيد وتطويره، ويرى العديد من الصيادين الذي عايشوا واقع النقابة منذ النشأة والتشكيل حتى يومنا هذا بانها كانت منسجمة كلياً ومنطوية تحت مظلة الحكومة قبل وبعد الانقسام ولم يسجل لها أنها اعترضت يوما على السياسات الحكومية أو القرارات أو طالبت بسن قوانين او قدمت مقترحات في هذا الاطار أو في اطار وضع السياسات المرتبطة بقطاع الصيد والصيادين. وهو ما يدلل على أن النقابة ولدت ولا زالت ضعيفة ولطالما بقيت بعيدة عن دورها الرئيس الذي وجدت من اجله ولم تستطع ان تكون ممثلاً حقيقياً وفاعلاً للصيادين.
في حالتنا الفلسطينية وعلى وجه الخصوص في حالة الصيادين وما يتعرضون له من اعتداءات يومية من قبل قوات الاحتلال وانتهاكها لأبسط حقوقهم في ممارسة العمل بحرية ودون خوف أو ترهيب، وغياب العدالة الدولية في ظل النظام الرأسمالي الدولي المنحاز والداعم لدولة الاحتلال، فان اللجوء الى الحركات الاجتماعية والنقابات والاتحادات على مستوى العالم ولا سيما اليسارية والتقدمية والتحررية منها، يعد خياراً أساسياً لحشد الدعم والمناصرة للصيادين وفضح ممارسات الاحتلال الظالمة واللاإنسانية والوحشية بحقهم، وذلك من خلال الانضمام الى التحالفات والشبكات والحركات الدولية ولا سيما ذات العلاقة بالصيادين، ولكن للأسف الشديد فنقابة الصيادين ليست عضواً ولا فاعلاً في أيٍ من الشبكات والحركات الإقليمية والدولية ذات العلاقة بالعمل النقابي أو الصيادين، ولم يسبق لها أن بادرت من أجل ذلك.
ويعتقد غالبية الصيادون في غزة أن النقابة اقتصرت دورها على تقديم بعض الخدمات من خلال بعض المشاريع الموجهة للصيادين وأنها تختار الأسماء كيفما تريد دونما اتباع لشروط ومعايير واضحة، وغالباً لا يتم الإعلان عن المشاريع ومواعيد التسجيل ومنح فرصة ووقت لعموم الصيادين للتقدم للاستفادة. وهنا أصبحت العديد من المؤسسات المانحة شريكا ومساهما في انتهاك حقوق الصيادين واستغلال ضعفهم وحاجتهم للدعم عن قصد أو بغير قصد، فغابت هذه الجهات المانحة عن الرقابة والمتابعة وتقييم مشاريعها والتدقيق في قوائم المستفيدين وأحقيتهم وتطابقهم مع الشروط، وتركت المجال لشخوص على أنهم ممثلين لأجسام تمثيلية للصيادين (حكومية وغير حكومية) للتحكم في تحديد الاحتياجات وتحديد طبيعة ونوعية ومن هم المستفيدين دون رقيب أو حسيب، كما أنها انصاعت لرغبة نقابة الصيادين بأن يكون أحد الشروط الرئيسية لقبول أي مستفيد أن يكون لديه عضوية في نقابة الصيادين وهي بذلك ساهمت في انتهاك أحد مبادئ العمل النقابي وهو حرية الانتساب أو عدمه للنقابة وجعلته الزاماَ.
إن حديث الصيادين حول بعض المشاريع ما يرافقها من ظلم ناتج عن غياب الشفافية وعدالة التوزيع، ومزاجية الاختيار وتطبيق المعايير والشروط، هو حديث يملأه الحسرة والحزن، للأسف هذا الحال المظلم يشارك فيه الممول بغيابه عن الرقابة والمتابعة والجهة المنفذة بفسادها والجهات الرسمية بعدم ملاحقة مخترقي القواعد والقوانين.
إن غياب وجود نقابة تنتمي لهموم الصياد وغياب فعلها الحقيقي لرفع الظلم عن الصيادين وتفعيل قضاياهم على المستوى المحلى والوطني والدولي كان سبباً رئيسيا في ظهور تكوينات وأجسام جديدة أكثر قربا والتصاقا بالصيادين وعملت معهم ومن خلالهم لرفع صوتهم والمطالبة بحقوقهم والدفاع عنها بل وذهبت بهم الى أبعد من ذلك في وضعهم ضمن اجسام وحركات على مستوي عالمي.. وهنا يدور الحديث عن لجان الصيادين التطوعية المنتشرة على طول بحر قطاع غزة والتي الى حد كبير قامت بمهام وادوار هي بالأساس من مهام النقابة ونجحت في تحسين ظروف الصيادين والمطالبة في حقوقهم ولكنها لا تحمل صفة تمثيلية رسمية للصيادين ويتوقع لها ان تشكل البديل للنقابة اذا ما أرادت أن تنشئ نقابة جديدة أو جسم تمثيلي رسمي للصيادين.
وهذه اللجان حاولت ولا زالت أن ترفع لواء النضال الحقوقي والمطلبي وعززته بين جموع الصيادين وحفزتهم وشجعتهم لأخذ مواقف متقدمة في رد الظلم وقول كلمة لا في وجه من اعتادوا على اسكات صوت الصياد والاستهانة باحتياجاته وآلامه. فنجدهم حاضرين وبقوة في كل الميادين في الاعتصامات والوقفات التضامنية ويسجل لهم تنفيذ اول حملة تضامنية ومطلبية لحقوق الصيادين والتي استطاعوا من خلالها اجبار النقابة في نهاية 2016 وبداية 2017 بإجراء الانتخابات بعد ان نفذوا جملة من الخطوات النضالية كان أهمها جمع تواقيع ما يقارب 1700 صياد على عريضة تطالب الجهات الحكومية والقانونية بضرورة إجبار النقابة لإجراء الانتخابات وهذا ما حدث فعلاً رغم ما تعرضوا له من ملاحقات واحتجاز.
إن ما آلت إليه ظروف الصيادين، وما صار إليه واقعهم والذي أقل ما يمكن وصفه بالمرير فأكثر من 80 % منهم معطلين عن العمل في الوقت الذي تشير عدة مصادر أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر منهم تجاوزت ال 90 بالمئة وأن غالبية أسر الصيادين يعتمدون إلى حد كبير على المساعدات والطرود الغذائية من مختلف المؤسسات، دفع النشطاء النقابيين في قطاع الصيد ومن حولهم العديد من الصيادين إلى اعتبار أن أهم شروط تحسن ظروف وواقع الصيادين يكمن في وجود جسم تمثيلي/نقابي ديمقراطي تقدمي مستقل وقوي لهؤلاء الصيادين، جسم يشكل حاضنة لهم ويقوم على ادارته هيئة منتخبة من الصيادين أنفسهم، ويحتكمون إلى الديمقراطية في اتخاذ القرارات وتأخذ على عاتقها إحداث التغيير الذي يبتغيه الصيادون بما يخفف آلامهم ويسير بهم نحو تحقيق آمالهم. هذا الجسم لا بد له أن يكون على معرفة ودراية كافية بكل ما يتعلق بالصيادين من معلومات وبيانات وقادر على حثهم وتحفيزهم للانخراط في الحياة النقابية لأجل الحصول على حقوقهم والدفاع عنها من خلال التوافق على برنامج نضالي مطلبي يتبنى هذه الحقوق ويسعى لتوفير مقومات العيش الكريم لهم، وفي ذات الوقت يعزز دور الصيادين في القضايا الوطنية والمجتمعية ومشاركتهم الفاعلة في بناء المجتمع على أساس المساواة والتشاركية وتعزيز مفاهيم العدالة الاجتماعية. ومن الضروري بمكان أن يسعى هذا الجسم التمثيلي لحشد التضامن العربي والدولي مع قضية الصيادين من خلال الانضمام الى الشبكات والاتحادات الدولية الخاصة بالصيادين والاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين، هذا الانضمام قد يكون له دور داعم وفاعل في حال تمكن الجسم التمثيلي من رفع قضايا دولية باسم الصيادين لمحاسبة قادة الاحتلال على الجرائم التي ارتكبت ولا زالت بحق الصيادين من اجل وقف هذه الجرائم وجبر ضرر الصيادين. ويبقى مهما إيجاد السبيل والكيفية للضغط على المؤسسات المحلية والوطنية والدولية بضرورة توجيه الدعم باتجاه الاحتياجات الحقيقية للصيادين وما يتناسب مع ضرورة حماية وتطوير قطاع الصيد وأن يكون الصياد جزء رئيسي في تحديد الاحتياجات وبناء الخطط والمشاريع، والحيلولة دون تكرار إساءة التصرف في حقوق الصيادين وهدر الأموال وتعزيز الشفافية والمحاسبة ضمان الاستغلال الأمثل للموارد والدعم الذي يتلقاه قطاع الصيد.
المراجع:
- ورقة حقائق: عقوبات جماعية تحت الاحتلال وصمود مستمر، شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية، 2019
- عبد الناصر ماضي: دراسة حول قطاع الصيد، اتحاد لجان العمل الزراعي، 2010
- عبد الكريم الخالدي: واقع ودور النقابات العمالية في ظل الانقسام، شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، 2017
- صفحة توثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق صيادي غزة، https://www.facebook.com/fishermengaza
- مقابلة جماعية: 3 من أعضاء نقابة الصيادين، مقر جمعية التوفيق التعاونية، 10/11/2020
- مقابلة جماعية: 7 صيادين من مدينة غزة، مقر جمعية التوفيق التعاونية.
- مقابلة مع مجموعة من 5 أعضاء لجان الصيادين في غزة، مقر اتحاد لجان العمل الزراعي، 9/11/ 2020
- مقابلة مع السيد/ عبد المعطي الهبيل، رئيس جمعية التوفيق التعاونية لصيادي الأسماك– صياد- مقر الجمعية 14/11/2020
- مقابلة: زكريا بكر، منسق لجان الصيادين، مقر اتحاد لجان العمل الزراعي، 9/11/2020
- مقابلة مع السيد/ عبد الكريم الخالدي، ناشط نقابي وحقوقي، مركز الديمقراطية وحقوق العاملين، 14/11/2020
- احصائيات دائرة الثروة السمكية- وزارة الزراعة
- مقالات وتقارير صحفية حول الصيادين وقطاع الصيد في قطاع غزة
- مواقع لعدة مراكز حقوقية مثل مركز الميزان والمركز الفلسطيني لحقوق الانسان ومركز مسلك.
سعد زيادة
: مدير دائرة الضغط المناصرة في اتحاد لجان العمل الزراعي، منسق La Via Campesina في غزة، ناشط نقابي وعضو مؤسس لنقابة الفلاحة والتصنيع الغذائي. سبق وأن شاركت في عدة مؤتمرات وورش عمل ومنتديات محلية ودولية ذات علاقة بحقوق المزارعين والصيادين والسيادة الغذائية.
تعتبر مؤسسة روزا لوكسمبورغ واحدة من أكبر مؤسسات التعليم السياسي في جمهورية ألمانيا الفدرالية. تشكل مؤسسة روزا لوكسمبورغ منبراً للنقاش والتفكير النقدي حول البدائل السياسية، كذلك مركزاً للأبحاث للتنمية الاجتماعية التقدمية. وترتبط بشكل وثيق مع حزب اليسار الألماني ( دي لينكه). وفي هذا السياق دعمت مؤسسة روزا لوكسمبورغ المكتب الأقليمي في فلسطين والأردن شركاء فلسطينيين منذ العام 2000، وعمدت إلى تأسيس مكتبها الإقليمي في رام الله العام 2008. حالياً يتولى المكتب التعاون مع شركاء في الضفة الغربية، القدس الشرقية، وفي قطاع غزة، كذلك الأردن.
أوراق روزا هي مجموعة من التحليلات ووجهات النظر ذات العلاقة، ينشرها مكتب روزا لوكسمبورغ الإقليمي في فلسطين والأردن بين الفينة والأخرى، ومحتواها هو من مسؤولية الباحث/الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ