الانتخابات الإسرائيلية: الاحتلال الرابح الوحيد

 

 

هنيدة غانم

أسفرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي عقدت في ١٧ أيلول ٢٠١٩، عن تعميق الأزمة السياسية التي دخلت فيها إسرائيل في أعقاب انتخابات نيسان ٢٠١٩، والتي جاءت لتتجاوزها وتحلها، بل إن إمكانية دخول إسرائيل مرة أخرى لانتخابات جديدة للخروج من المأزق الحالي لا تبدو خيالية تماما. ولتجاوز الأزمة الحالية، طالب رئيس دولة إسرائيل نتنياهو وجانتس التعالي على صراعاتهما والعمل على تشكيل حكومة وحدة يتم عبرها التبادل في رئاسة الحكومة بين جانتس ونتنياهو، لكن هذه الحكومة تصطدم بمشكلة جدية، إذ يصر نتنياهو أن يكون هو الأول في الحكم حتى يستفيد من حصانته كرئيس حكومة، ويتفادى المحاكمة. أما جانتس الذي شكل حزب “أبيض أزرق” بهدف إزاحة نتنياهو المتهم، فيصر على أن يكون هو الأول على أمل أن يتم محاكمة نتنياهو الذي سيكون بلا حصانة خلال هذه المدة والخلاص منه!

لكن، ماذا تعني الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها للفلسطينيين؟ على الرغم من كون الانتخابات الإسرائيلية تحدد الكثير من مصيرهم السياسي، إلا أن الخمسة ملايين فلسطيني الواقعين تحت الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة لم يُبدوا الكثير من الحماسة تجاه الانتخابات، اذ يرون الرابح الوحيد فيها هو الاحتلال وسياسات الاستيطان ومصادرة الأراضي.

الورطة الحقيقية – تطبيع الضم والاستيطان

تمحورت الانتخابات في العام ٢٠١٩، في نيسان وأيلول، وقبلها في العام ٢٠١٥، وقبلها في العام ٢٠١٣، وصولا إلى العام ٢٠٠٩، على قضايا إسرائيلية داخلية وصراعات حزبية مرتبطة بقضايا كثيرة، آخرها هو إنهاء الاحتلال. أدى ذلك تدريجيا الى تحويل الاحتلال إلى مجرد قضية أمنية لا يتم التطرق لها إلا حينما تحدث عمليات على خلفية قومية، مقابل القيام بمشاريع بنى تحتية ضخمة لتوسيع الاستيطان في الأراضي التي تقع تحت الاحتلال المباشر والمصنفة (ج)، وتشكل ٦٢٪ من مساحة الأراضي الفلسطينية، لقلب الواقع على الأرض وتحويل المستوطنات الى أمر واقع.

لقد أظهرت هذه الانتخابات، وبشكل مثير، كيف تحولت مقولات سياسية من مقولات إشكالية إلى جزء من الإجماع، بما فيها الموقف من المستوطنات والمستوطنين الذي كان موضوع نقاش عشية اغتيال رابين. فيما تحولت المقولات التي ترتبط بفرض السيادة على الضفة الغربية من مقولات لجماعات استيطانية هامشية متطرفة إلى برنامج عمل نتنياهو والليكود الذي يتميز أيضا بالشعبوية والتحشيد والتحريض على العرب في إسرائيل والقائمة المشتركة التي تعتبر ممثلتهم الأساسية، وعلى الفلسطينيين.

وفعليا، انقسمت الأحزاب الموجودة في المشهد الإسرائيلي (فيما عدا ميرتس والأحزاب العربية) الى تيارين مركزيين: تيار يمين يقوده نتنياهو مع أجندة سياسية وإيديولوجية استعمارية-استيطانية واضحة تطرح الضم للمستوطنات حتى أصغرها وتسعى لإنهاء أي حلم فلسطيني بالتحرر، وتيار وسط معارض مع أجندة شخصية لإسقاط نتنياهو بسبب قضايا الرشى والفساد التي تلاحقه، ويركز على لغة الردع والقوة مستفيدا من خلفية أعضائه العسكرية، فيما يتقاطع مع الليكود إلى حد بعيد في القضايا المركزية المرتبطة بضم الكتل الاستيطانية والأغوار والحفاظ على القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل واعتبار الجولان السوري المحتل جزءًا من إسرائيل للأبد، لكنه يدعو لإخلاء المستوطنات المعزولة والصغيرة التي تشكل ثقلا أمنيا.

لم يأت هذا التقاطع صدفة، فقد كان جزءًا من سياسة مثابرة لنتنياهو وداعميه لإزاحة الوعي العام إلى اليمين عبر نزع شرعية مثابرة لخطاب جمعيات وأحزاب تدعو لإنهاء الاحتلال. وقد وجد نتنياهو في صعود ترمب فرصة ذهبية لتحويل الحديث عن إنهاء الاحتلال والانسحاب من الأراضي المحتلة وتفكيك الاستيطان إلى حديث ليس ذا صلة. بالمقابل، انتهج سياسة شرسة لتعزيز المستوطنات ترافقت بتصعيد متدرج للحديث عن ضم الكتل الاستيطانية وفرض السيادة على المستوطنات، إلى أن صوتت اللجنة المركزية لليكود في نهاية العام ٢٠١٧، وبأغلبية كبيرة، على فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ثم وفي ١ أيلول ٢٠١٩، صرح نتنياهو أنه سيعمل على فرض “السيادة اليهودية” على المستوطنات وأنه لن يكون هناك أي تفكيك لأي مستوطنة. وقبل الانتخابات بعدة أيام، وفي إعلان درامي، أعلن أنه إذا فاز ونجح في تشكيل حكومة يمين سيقوم بضم الأغوار ومنطقة شمال البحر الميت مباشرة للسيادة الإسرائيلية، ثم سيعمل بعد ذلك على ضم باقي المستوطنات بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، مشيرا إلى أنه لن يسمح بإخلاء يهودي مستوطن واحد ولا أي مستوطنة من الأراضي الفلسطينية.

وفي مقابل برنامج الضم الذي أعلنه نتنياهو فإن المعارضة التي يقودها غانتس تتبنى برنامجا سياسيا مراوغا وفضفاضا، وتتعامل مع الفلسطينيين بالأساس كموضوع أمني يجب معالجته عبر “استعادة الردع في الجنوب من خلال انتهاج سياسة أمنية مستقلة في مواجهة قطاع غزة تتضمن سياسة لا تنطوي على أي تسامح تجاه الاستفزاز والعنف ضدنا،” كما جاء في برنامجه. أما بخصوص الجانب السياسي المرتبط بإنهاء الاحتلال فيتقاطع كاحول لافان إلى حد كبير مع الليكود، إذ يقول أنه سيعمل على الحفاظ على الكتل الاستيطانية والقدس الموحدة والجولان المحتل تحت السيادة الإسرائيلية، لكنه يعلن أنه سيخلي مستوطنات معزولة على عكس نتنياهو الذي لن يقبل إخلاء ولو مستوطن، بل إن التحالف حاول أن يتجاوز نتنياهو من اليمين حين أعلن الأخير عن أنه سيضم الأغوار للسيادة الإسرائيلية، حيث خرج موشيه يعلون مع كاحول لافان ليشكك به مضيفا أن هذا أصلا جزءًا من برنامج التحالف، وأن الأغوار ستكون جزءًا من إسرائيل في أي اتفاق، بل إن نتنياهو كان على استعداد للتنازل عن الأغوار في محادثات سابقة!

في هذا الواقع، أيًا كانت الحكومة الإسرائيلية التي ستتشكل سواء حكومة وحدة وطنية علمانية تشمل كاحول لافان والليكود ويسرائيل بيتينو بزعامة ليبرمان، أو حكومة ضيقة يمينية يعاود ليبرمان الانضمام اليها، أو حكومة علمانية ضيقة بزعامة كاحول لافان مع ليبرمان وبعض عناصر من الليكود، فإنه من الواضح أن الاحتلال والاستيطان والمستوطنين هم الرابح الأكبر، فيما يقف الفلسطيني أمام تيارين: يميني استيطاني لا يرى في الفلسطيني إلا عقبة يجب التغلب عليها. فهو عقبة أمنية إذا قاوم، وعقبة ديموغرافية بمجرد وجوده على الأراضي التي يطمح لاستخدامها للاستيطان، خاصة في مناطق (ج) وعلى رأسها الأغوار التي وعد نتنياهو بضمها إلى جانب شمال البحر الميت إذا نجح في تشكيل الحكومة. وتيار معارض يتقاطع مع النقاط الكبرى لنتنياهو للضم ويعد بالضرب بيد من حديد من أجل استعادة الردع أمام غزة، لكنه أيضا يعد بإعادة هيبة مؤسسات الدولة في إسرائيل ومحاربة الفساد.

في هذا الواقع السريالي السوداوي، على الفلسطيني أن يختار من سيكون أفضل لإنهاء حلمه بالتحرر: رئيس وزراء محرض شعبوي متهم بقضايا فساد ورشى، أم رئيس وزراء عسكري يتوعد بشن حرب على غزة تعيدها للعصر الحجري!


د. هنيده غانم، المديرة العامة لـ “مدار” – المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – حاصلة على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من الجامعة العبرية في القدس (٢٠٠٤)، مختصة بعلم الاجتماع السياسي، لها مجموعة من الدراسات والكتب المنشورة عن السياسات الاسرائيلية والاحتلال العسكري والاستعمار الاستيطاني في فلسطين.


تعتبر مؤسسة روزا لوكسمبورغ واحدة من أكبر مؤسسات التعليم السياسي في جمهورية ألمانيا الفدرالية. تشكل مؤسسة روزا لوكسمبورغ منبراً للنقاش والتفكير النقدي حول البدائل السياسية، كذلك مركزاً للأبحاث للتنمية الاجتماعية التقدمية. وترتبط بشكل وثيق مع حزب اليسار الألماني ( دي لينكه). وفي هذا السياق دعمت مؤسسة روزا لوكسمبورغ المكتب الأقليمي في فلسطين والأردن شركاء فلسطينيين منذ العام 2000، وعمدت إلى تأسيس مكتبها الإقليمي في رام الله العام 2008. حالياً يتولى المكتب التعاون مع شركاء في الضفة الغربية، القدس الشرقية، وفي قطاع غزة، كذلك الأردن.

أوراق روزا هي مجموعة من التحليلات ووجهات النظر ذات العلاقة، ينشرها مكتب روزا لوكسمبورغ الإقليمي في فلسطين والأردن بين الفينة والأخرى، ومحتواها هو من مسؤولية الباحث/الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ.

 

شاركوا المنشور
})(jQuery)